
شهد عام 2024 عامًا مليئًا بالتوترات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصادات العربية، حيث تأثرت معظم دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه التوترات، سواء من خلال تأثيرها على أسعار الطاقة، أو ارتفاع معدلات التضخم، أو تباطؤ الاستثمارات الأجنبية.
بدأ العام مع استمرار التقلبات في أسعار النفط والغاز نتيجة التوترات في مناطق الإنتاج والممرات البحرية الحيوية، مثل مضيق هرمز. هذه التقلبات حققت مكاسب للدول المصدرة للنفط مثل دول الخليج، لكنها زادت من الأعباء المالية على الدول المستوردة للطاقة مثل مصر والأردن، التي اضطرت لمواجهة ارتفاع تكاليف استيراد الطاقة وسط ضغوط اقتصادية متزايدة.
من جهة أخرى، شهدت المنطقة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب استمرار الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية والحرب في أوكرانيا. هذه الأزمة أثرت بشدة على الدول العربية التي تعتمد على استيراد الغذاء، مما أدى إلى زيادة تكلفة المعيشة بشكل كبير. إلى جانب ذلك، ارتفعت تكلفة الديون على الدول ذات المديونية العالية بفعل رفع أسعار الفائدة عالميًا، مما أضاف مزيدًا من الضغوط على موازناتها.
على صعيد الاستثمارات الأجنبية، أدت التوترات الجيوسياسية إلى تراجع تدفقات الاستثمار في العديد من الدول العربية، حيث فضل المستثمرون تجنب المناطق التي تشهد حالة من عدم الاستقرار. ومع ذلك، تمكنت دول الخليج من الحفاظ على مستويات استثمارية معقولة، بل وركزت على تعزيز استثماراتها الداخلية لتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط.
في الوقت نفسه، تأثرت أسواق العمل في الدول العربية بشكل ملحوظ، حيث انخفضت تحويلات العمالة المهاجرة نتيجة التباطؤ الاقتصادي في دول الخليج وأوروبا. كما أن الدول التي تعتمد على السياحة والصناعات التصديرية، مثل تونس ولبنان، شهدت زيادة في معدلات البطالة بسبب الركود الاقتصادي.
على مستوى الفجوة الاقتصادية، اتسع التباين بين الدول ذات الفوائض المالية، مثل السعودية والإمارات، التي تمكنت من توجيه استثمارات استراتيجية للتعامل مع الأزمات، والدول ذات الاقتصادات الضعيفة، مثل السودان واليمن، التي عانت من تفاقم أزماتها.
رغم هذه التحديات، حاولت بعض الدول العربية اتخاذ خطوات للتخفيف من الآثار السلبية للأزمات. تمثلت هذه الخطوات في إطلاق برامج إصلاح اقتصادي في دول مثل السعودية ومصر، ومحاولات لتعزيز التعاون العربي من خلال مشاريع إقليمية كبرى، مثل الربط الكهربائي وتعزيز الاستثمارات الزراعية. كما زادت الجهود الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على النفط.
رغم كل الصعوبات التي واجهتها الاقتصادات العربية في عام 2024، فإن هذه الأزمات يمكن أن تمثل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية وبناء اقتصادات أكثر استدامة ومرونة قادرة على التكيف مع التحديات المستقبلية.