
لندن – وكالات
أعلن فريق من العلماء في جامعة أكسفورد بالتعاون مع شركة الأدوية البريطانية العملاقة “غلاكسو سميث كلاين” (GSK) عن تحقيق تقدم علمي غير مسبوق في تطوير لقاح جديد يمكن أن يوفر وقاية من السرطان قبل عقود من ظهور المرض.
ويعتمد اللقاح على تقنية متقدمة تحفّز جهاز المناعة للتعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها في مراحلها الأولى، قبل أن تتطور إلى أورام خبيثة. ووفقًا للباحثين، فإن التجارب الأولية أثبتت أن اللقاح قد يكون فعالًا في الوقاية من أنواع معينة من السرطان، مثل سرطان الرئة والثدي والبروستاتا، التي غالبًا ما يتم تشخيصها في مراحل متأخرة.
آلية عمل اللقاح
يوضح الفريق العلمي أن اللقاح يعمل من خلال استهداف الطفرات الجينية التي تطرأ على الخلايا السليمة وتؤدي إلى تحولها إلى خلايا سرطانية. حيث يقوم اللقاح بتدريب جهاز المناعة على التعرف على هذه التغيرات غير الطبيعية، مما يسمح له بمهاجمة الخلايا المتحولة قبل أن تتكاثر وتتحول إلى أورام خبيثة.
وتقول البروفيسورة سارة بلاغدن، الباحثة الرئيسية في المشروع وأحد أعضاء الفريق الذي ساهم في تطوير لقاح كوفيد-19:
“هذه خطوة غير مسبوقة في علم الأورام. إذا تمكنّا من تدريب جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية قبل نشوئها، فقد نتمكن من منع ملايين الإصابات بالسرطان مستقبلاً.”
نتائج واعدة وتجارب سريرية قادمة
أظهرت الاختبارات الأولية التي أجريت على الحيوانات نتائج مشجعة، حيث تمكن اللقاح من منع تشكل الأورام السرطانية بنسبة تجاوزت 80%. ومن المقرر أن تبدأ التجارب السريرية على البشر في منتصف عام 2025، بمشاركة آلاف المتطوعين من مختلف الفئات العمرية والمناطق الجغرافية.
ويؤكد الباحثون أن اللقاح قد يكون متاحًا للعامة خلال العقد المقبل في حال أثبتت التجارب السريرية فعاليته وسلامته.
نقلة نوعية في علاج السرطان
يُعد هذا الاكتشاف بمثابة قفزة هائلة في مجال الطب الوقائي، حيث يمكن أن يقلل بشكل كبير من أعداد المصابين بالسرطان، ويوفر بديلًا أكثر فعالية من العلاجات التقليدية مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي، التي غالبًا ما تكون مرهقة للمريض ومكلفة ماديًا.
من جانبه، أشار الدكتور جيمس ألونسو، أحد الباحثين المشاركين في المشروع، إلى أن:
“هذا اللقاح قد يغير طريقة تعاملنا مع السرطان تمامًا. بدلًا من انتظار تشخيص المرض والبدء في العلاج، سنتمكن من الوقاية منه قبل ظهوره بعشرين عامًا، مما سيقلل نسبة الوفيات ويخفف الضغط على الأنظمة الصحية حول العالم.”
تحديات مستقبلية وتوقعات الخبراء
ورغم التفاؤل الكبير بهذا الإنجاز، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب تجاوزها قبل أن يصبح اللقاح متاحًا عالميًا. حيث يجب إجراء دراسات طويلة الأمد لضمان عدم وجود آثار جانبية خطيرة، إضافةً إلى التحقق من فعالية اللقاح على نطاق واسع بين مختلف الفئات السكانية.
يقول الدكتور بيتر ويليامز، الخبير في علم المناعة السرطانية:
“لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نرى هذا اللقاح في المستشفيات والصيدليات، ولكن ما تحقق حتى الآن يمنحنا أملًا حقيقيًا في مستقبل خالٍ من السرطان.”
في ظل تزايد حالات الإصابة بالسرطان عالميًا، يُعد هذا الاكتشاف بارقة أمل لملايين الأشخاص حول العالم. وإذا نجحت التجارب السريرية كما هو متوقع، فقد نشهد عصرًا جديدًا في مكافحة السرطان، يكون فيه المرض مجرد ذكرى من الماضي، بدلاً من كونه أحد أكثر التحديات الصحية تعقيدًا في عصرنا الحديث.