
في ظل تحولات النظام العالمي، تواصل تركيا رسم ملامح حضورها المتصاعد في القارة الأفريقية، عبر استراتيجية متكاملة تمزج بين الانفتاح الاقتصادي، والتقارب الدبلوماسي، والتعاون العسكري. وتؤكد أنقرة من جديد أن توسعها في أفريقيا لم يكن خطوة عابرة، بل مشروعًا طويل الأمد يقوم على أساس الشراكة العادلة والربح المتبادل.
وبمناسبة مرور 20 عامًا على حصولها على صفة مراقب دائم لدى الاتحاد الأفريقي، جددت وزارة الخارجية التركية التزامها بدعم القارة عبر مشاريع تنموية واستثمارات حيوية تسهم في تحسين حياة الشعوب الأفريقية، مع التأكيد على احترام السيادة والتنوع الثقافي للدول الأفريقية.
من 12 إلى 44 بعثة دبلوماسية.. توسع تركي مدروس
منذ إعلان تركيا عام 2005 “سنة الانفتاح على أفريقيا”، بدأت أنقرة تنفيذ سياسة خارجية نشطة في القارة، تضمنت توسيع التمثيل الدبلوماسي من 12 سفارة فقط إلى 44 سفارة وقنصلية بحلول 2022. هذا التوسع جعل تركيا واحدة من أكثر الدول تمثيلاً في أفريقيا، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا.
وفي المقابل، ارتفع عدد البعثات الأفريقية في تركيا من 10 إلى 38، ما يعكس تطور العلاقات الثنائية وتنامي الثقة بين الطرفين.
قفزة في التجارة والاستثمار
تشهد العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأفريقيا نموًا متسارعًا. ففي أقل من عقدين، ارتفع حجم التبادل التجاري من 3 مليارات دولار عام 2003 إلى 35 مليار دولار في 2023، وسط تطلعات تركية للوصول إلى 75 مليار دولار في السنوات القادمة.
وتُعد شركات المقاولات التركية من أبرز الفاعلين في مشاريع البنية التحتية في القارة، حيث بلغت قيمة المشاريع المنفذة 71.1 مليار دولار حتى عام 2021، مع تركيز خاص على دول أفريقيا جنوب الصحراء.
حضور عسكري متنامٍ
لم تقتصر العلاقات على الجانب الاقتصادي والدبلوماسي، بل امتدت إلى التعاون العسكري. فقد ارتفع عدد المكاتب العسكرية التركية في أفريقيا إلى 37 مكتبًا، في حين قفزت مبيعات السلاح التركي للقارة من 41 مليون دولار إلى أكثر من 328 مليون دولار خلال عام واحد فقط (2021)، في مؤشر واضح على تنوع أدوات الحضور التركي.
أفريقيا.. شريك استراتيجي في معادلة السياسة الخارجية التركية
يبدو واضحًا أن تركيا ترى في أفريقيا أكثر من مجرد سوق تجارية أو منطقة نفوذ مؤقت، بل شريكًا استراتيجيًا في إعادة رسم خارطة تحالفاتها الدولية، بعيدًا عن المحاور التقليدية التي لطالما احتكرت التواجد في القارة.
ومع استمرار القمم المشتركة، وآخرها القمة المنتظرة في 2026، تواصل أنقرة تعزيز حضورها، مستفيدة من نقاط قوتها: المرونة السياسية، والكفاءة الصناعية، والخبرة في تنفيذ مشاريع البنى التحتية، إلى جانب خطاب يقوم على “الشراكة لا الوصاية”.